مفاوضات القاهرة وحساسية المرحلة


مفاوضات القاهرة وحساسية المرحلة

بقلم الكاتب: أحمد يونس شاهين

إن إقدام إسرائيل على سحب قواتها البرية من قطاع غزة وإعادة انتشارها خلف الحدود يشكل حالة من التكتيك العسكري وإيهام شعبها بأن طبول حربها على غزة قد بدأت نهايته وحققت انجازاتها ولم يتبقى سوى اتفاق على وقف إطلاق نار يضمن لإسرائيل أمنها، وفي الحقيقة فإن إسرائيل بسحبها قواتها البرية ما هو إلى راحة من ضغط الميدان والـنأي عن مواجهات مباشرة مع المقاومين الذين قلبوا معادلة المعركة من الدفاع إلى الهجوم خلف خطوط القوات الإسرائيلية البرية، ومن جهة أخرى كان وراء سحب القوات الإسرائيلية تفادي الرأي العام العالمي وحفظ ماء وجهها لارتكابها مجازر حرب حقيقية بحق السكان المدنيين وقتل الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير البيوت والمساجد.

إن ما يشغل بال الحكومة الإسرائيلية هو كيف ستنهي المعركة مع الفلسطينيين بما يضمن عدم هزيمتها وتحقيقها النصر على المقاومة الفلسطينية وتبرير موقفها بعد القبول بمطالب الوفد الفلسطيني المفاوض في القاهرة على أنه جاء بعد أن أحرزت نوعاً من النصر لضمان تثبيت الهدنة التي سيتم الاتفاق عليها برعاية الوسيط المصري، وما يعزز ذلك حسب وجهة النظر الإسرائيلية هو موافقة الوفد الفلسطيني على هدنة ثانية لمدة 72 ساعة نزولاً تحت طلب الوفد الإسرائيلي الذي رفض العودة الى القاهرة تحت إطلاق النار، وهنا نقول بأن الوفد الفلسطيني لم يوافق على الهدنة لهذا الشرط بل لعدم إحراج الوسيط المصري الذي طلب تجديد الهدنة لإفساح إدخال المساعدات الى سكان قطاع غزة وهذا يعود الى تفهم وإدراك الوفد الفلسطيني لمعاناة سكان غزة وحرصهم على حقن مزيد من الدماء وشعوراً نبيلاً منهم تجاههم، وبالمقابل تناسى الوفد الإسرائيلي التهديد الذي أطلقه رئيس الوفد الفلسطيني عزام الأحمد الذي قال بأنه سيكون أول المغادرين للقاهرة إن لم يعود الإسرائيليون للقاهرة خلال ساعات وهذا يعبر عن صلابة الموقف الفلسطيني وفرض كلمته على مائدة المفاوضات.

السؤال هنا الذي يطرح نفسه هل ستكون الهدنة الثانية التي طلبتها مصر هي الأخيرة أم ستكون هناك هدنة ثالثة ورابعة كما تعول عليه الحكومة الإسرائيلية بهدف المراوغة والمماطلة للتملص من توقيع اتفاق الهدنة الطويلة, وما هو موقف الوفد الفلسطيني لو طلبت مصر تمديد الهدنة ل 72 ساعة إضافية في حين حرصه على إرضاء مصر وعدم فقدانها الدور المصري الذي استعد لوقف إطلاق النار وتحقيق مطالب الفلسطينيين.

باعتقادي أنه على مصر أن تزيد وتكثف من حجم ضغوطاتها على الوفد الإسرائيلي كي تحافظ على هيبتها الإقليمية التي أرادت استردادها بعد الحالة الاستثنائية التي مرت بها منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وتحديداً في الوقت الذي تلعب به دول إقليمية وعربية المس بقوة وهيبة مصر في الوطن العربي والمنطقة بأكملها، من جهة أخرى فإن حركة حماس حريصة في هذا الوقت أن تنسج خيوط علاقات جديدة ومنفتحة مع مصر يضمن لها حرية التنقل والاتصال مع العالم الخارجي من معبر رفح النافذة الوحيدة لها وللشعب الفلسطيني للعالم بعد تأييدها للرئيس السابق محمد مرسي وسوء علاقاتها مع الإدارة المصرية الحالية برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، من ناحية أخرى ما هي قبلة الفلسطينيين في حال فشلت الجهود المصرية بتحقيق هدنة طويلة ؟ برأيي أن الوضع سيكون صعب للغاية في ظل عدم وجود حالة دعم حقيقية عربية حتى أن قمة عربية موسعة لم تعقد كما اعتدنا عليه قبل ما سمي بالربيع العربي وإن كانت لا تلقي بأي أثر أو أي قرار صارم سوى الإدانة والشجب وتخصيص مبلغ مالي لم يتم الالتزام به من كثير من الدول.

فقرارات دول أمريكا اللاتينية أشد حزماً وصرامة في هذه المرحلة من كل الدول العربية بشعوبها وإن كانت حجتها عداء بعضها لحركة حماس ولكن بعد أن توحد الفلسطينيون في ساحة المعركة مع عدوهم وتوحدوا سياسياً من خلال وفد فلسطيني موحد كان لزاماً على العرب أن يتفهموا بأن المعركة ضد الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه وفصائله وعليه فإن الموقف العربي يجب أن يتغير لصالح الشعب الفلسطيني ويشهد حالة من الغضب العربي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حركة فتح في ذكرى انطلاقتها الثامنة والخمسين

معركة الكرامة والحرية من خلف القضبان

دراسة "دور الإعلام تجاه القضية الفلسطينية وآليات تعزيز التضامن العالمي إعلامياً مع الشعب الفلسطيني"