المفاوضات ما بين الانتقاد و الغموض


بقلم: احمد يونس شاهين
في جولته السادسة في المنطقة ما بين تل أبيب ورام الله وعمان أثبت كيري قدرته على التصميم والإرادة الناتجة عن حالة العناد التي يتصف بها، فقد نجح في استقطاب الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لحلقة المفاوضات ليسجل لنفسه نجاحاً واهماً نفسه والإدارة الأمريكية بأن عملية التفاوض قد سلكت طريقها وأسقط من حساباته في جولاته المتتالية النشاط الاستيطاني في الضفة والقدس والتي يصدر تراخيصها تزامناً مع قدومه في كل جولة والتي كانت رد صريح عليه من نتياهو الذي تحدى الإدارة الأمريكية ورفض فكرة تجميد الاستيطان ليضع أمريكا في زاوية الحرج رغم أن كيري لم يمارس أسلوب الضغط على الجانب الإسرائيلي بشكل متساوي مع الجانب الفلسطيني وكأن الجانب الفلسطيني هو من يعيق العودة إلى المفاوضات.
بمجرد أن اتخذت القيادة الفلسطينية قراراً بالعودة إلى المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي حتى انهالت الانتقادات من قِبل بعض المسئولين والمحللين السياسيين باختلاف انتماءاتهم الحزبية ومواقعهم ومآربهم وتزاحمت على صفحات المواقع الإخبارية، وهنا لا نقول علينا أن لا نختلف ولا ننتقد فالاختلاف والانتقاد حق مكفول للجميع.
ولكن على من ينتقد أن يفكر ملياً بطرح البدائل لا سيما بأن القضية الفلسطينية تمر بأسوأ حالاتها في هذه المرحلة التي تعيش بها المنطقة وقضيتنا الفلسطينية بشكل خاص وأصبحت في خانة الهامش العربي والدولي لما يمر به الوطن العربي من تخلخل وصراعات داخلية خططت لها أمريكا وإسرائيل لإعادة إحكام قبضتها من خلال زعزعة الاستقرار وتسليم الأمور لمن يعطيها الولاء والهدف الأساسي وراء كل هذا هو وأد القضية الفلسطينية ودليلاً على ذلك الحالة التي تمر بها مصر التي تمثل أكبر مكانة سياسية عربية. 
فمن هنا وباعتقادي أن ما قام به الرئيس أبو مازن باتخاذ قراره بالعودة للمفاوضات ما هو إلا محاولة لإخراج ملف القضية الفلسطينية من خانة الهامش إلى سلم الأولويات وإيصال رسالة إلى أمريكا وإسرائيل والعالم العربي بأن الشعب الفلسطيني هناك من يمثله في ظل حالة الانقسام وأن القضية الفلسطينية مازالت لب الصراع في المنطقة ولا استقرار إلا بالتسوية السلمية مع الفلسطينيين .
أعتقد أن قرار الرئيس محمود عباس قرار صائب أراد أن يثبت للأمريكان والعالم بأن الفلسطينيون ليسوا ضد السلام وان السلام مازال خياراً مطروحاً وفي نهاية المطاف إن فشلت عملية التفاوض فمن المؤكد أن السبب سيكون إسرائيل فسيثبت الجانب الفلسطيني بأن إسرائيل هي من تعيق عملية التسوية وان الجانب الفلسطيني لا لوم عليه وعلى الإدارة الأمريكية طرح البدائل.
اعتقد أنه من المبكر إصدار الأحكام على قرار الرئيس عباس لأن هناك غموض يكتنف مسألة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي وموقف الولايات الأمريكية وكل ما يتم تداوله حول أساسيات التفاوض ومسارها هي تداولات في سياق التحليل والتوقعات ومجرد تسريبات معلومات لا أكثر لأن الفجوة بين الجانبين مازالت واسعة لحد كبير في ظل التراكمات التي خلفها الجمود السياسي منذ وقف المفاوضات قبل ثلاث سنوات بسبب الاستيطان الإسرائيلي.
هناك حالة من الجو الضبابي ربما سيتم وضوح ملامحها تزامناً مع بدء الاجتماعات بين عريقات وليفني في واشنطن برعاية الإدارة الأمريكية التي نريد منها إجابات صادقة وصريحة عن تساؤلات كثيرة أهمها عن مدى تحركها في عملية التفاوض وجديتها وعن المدى الذي ستسهم فيه بممارسة الضغط على إسرائيل وهي على علم وإدراك بالمخاطر الناجمة عن مواصلة إسرائيل بمشروعها الاستيطاني لما يشكله من تهديد صارخ لاستمرارية عملية التفاوض وأيضا مساهمتها في ما يخص حدود 67 حدود الدولة الفلسطينية.
هناك أسئلة كثيرة بحاجة إلى إجابات ننتظرها. 
بالنهاية أتوجه لكل المنتقدين بأن يكرسوا جهودهم في البحث عن آليات لتعزيز الحوار الوطني المتوفى منذ سنين بغير وجه حق لغلق حالة الانقسام التي أضرت بقضيتنا الأساسية وكانت غطاء للمد الاستيطاني وممارسات الاحتلال ضد أسرانا البواسل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حركة فتح في ذكرى انطلاقتها الثامنة والخمسين

معركة الكرامة والحرية من خلف القضبان

دراسة "دور الإعلام تجاه القضية الفلسطينية وآليات تعزيز التضامن العالمي إعلامياً مع الشعب الفلسطيني"